إعلان

فرنسا: فضيحة الاعتداءات الجنسية في ثانوية بيتارام تضع بايرو أمام اختبار صعب

فرنسا

يمثل رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو الأربعاء أمام لجنة الشؤون الثقافية والتعليم في الجمعية الوطنية، لتقديم توضيحات بشأن الاتهامات المرتبطة بقضية الاعتداءات الجنسية والجسدية التي وقعت في ثانوية نوتردام دو بيتارام بين السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي. فيما تأتي هذه الجلسة بعد شهادات عدد من الضحايا الذين يؤكدون تعرضهم لاعتداءات، وورود اسمه في تقارير تشير إلى احتمال علمه بالأحداث المحتملة خلال فترة توليه مناصب محلية في جنوب غرب فرنسا.

Le Premier ministre François Bayrou lors de la séance de questions au gouvernement à l'Assemblée nationale à Paris, le 13 mai 2025.
رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو. © أ ف ب

تعود قضية الاعتداءات الجنسية والجسدية التي هزت ثانوية نوتردام دو بيتارام (جنوب غرب فرنسا) إلى الواجهة السياسية والإعلامية، بمناسبة مثول رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو الأربعاء أمام لجنة الشؤون الثقافية والتعليم في الجمعية الوطنية.

اللجنة، التي تتكون من نواب ينتمون إلى عدة أحزاب، استدعت فرانسوا بايرو لتقديم توضيحات إضافية بشأن علاقته المحتملة بهذه القضية، وسط شكوك حول علمه بما كان قد ارتُكِب بعدما رفع عشرات الطلاب شكاوى بتعرضهم لاعتداءات جنسية وجسدية على مدى سنوات عديدة (من عام 1970 إلى 1990).

وما زاد الملف تعقيدا، الشهادة التي أدلت بها إلين برلين، ابنة فرانسوا بايرو، والتي تقول إنها هي الأخرى من بين ضحايا يؤكدون تعرضهم لاعتداءات جنسية في هذه الثانوية ذات التوجه الكاثوليكي.

هل تستر فرانسوا بايرو على فضيحة بيتارام؟

وتأتي هذه الجلسة في سياق توتر سياسي وإعلامي شديدين، بسبب تشعب القضية وتعدد الأطراف المعنية، على غرار إليزابيث بايرو، زوجة رئيس الحكومة الفرنسية، التي كانت تُدرس مادة الديانة المسيحية في هذه المؤسسة التعليمية الخاصة.

Vue générale de l'établissement "Le beau rameau" (ex-Notre Dame de Bétharram), un collège et lycée catholique français à Lestelle-Betharram, dans le sud-ouest de la France, le 12 février 2025.
منظر عام للمؤسسة التعليمية الكاثوليكية "الغصن الجميل" Le Beau Rameau، نوتردام دو بيتارام (سابقا) جنوب غرب فرنسا، 12 فبراير/شباط 2025. © أ ف ب/ أرشيف

تفجرت قضية "بيتارام" في يناير/كانون الثاني 2024، بعد أن قدم عدد من الطلاب السابقين شكاوى تتعلق باعتداءات جسدية ونفسية واغتصابات طالت قُصَّرا، ووقعت داخل المؤسسة خلال سبعينيات وثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي. وبلغ إجمالي الشكاوى 152، من بينها 90 تتعلق باعتداءات جنسية. وقد ندد الضحايا المحتملون بوجود نظام لحماية المعتدين المحتملين، وبثقافة الصمت السائدة داخل المؤسسة.

اقرأ أيضافرنسا: عنف جنسي في مدرسة بيتارام الكاثوليكية... هل كان فرانسوا بايرو "يجهل ما يحدث"؟

ويُتّهم فرانسوا بايرو، الذي شغل منصب وزير التربية الوطنية بين عامي 1993 و1997، بالتستر على هذه الأفعال المزعومة، وقد صرح أحد رجال الدرك المكلفين بالتحقيق بأن المدعي العام في مدينة "بو" أخبره بأن بايرو تدخل في هذه القضية. لكن لغاية الآن لا يوجد أي دليل يثبت هذه الأقوال.

فرانسوا بايرو ينفي أنه كان على علم بما يجري في ثانوية بيتارام

رئيس الوزراء نفى هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأكد أنه "لم يتم إبلاغه أبدا" بما يُدَّعى بأنه قد حدث داخل المؤسسة، و"لم يتدخل لا من قريب ولا من بعيد".

ومن المتوقع أن تطرح اللجنة البرلمانية أسئلة دقيقة وحاسمة. من بينها هل كان بايرو يعرف الوقائع التي يزعم أنها كانت تحدث في ثانوية بيتارام؟ وفي حال عدم علمه ما هي أسباب عدم إبلاغه في ذلك الوقت بالانتهاكات التي قد تكون ارتكبت في هذه المؤسسة الكاثوليكية، على الرغم من أن الشكاوى بدأت تُرفع منذ عام 1994.

كما ستُطلب منه الإجابة عن سؤال مباشر وأساسي وهو: لماذا لم يتخذ أي إجراء منذ عام 1994 لحماية الطلاب ومعاقبة المسؤولين المتورطين، خاصة وأن بعض الوثائق تشير إلى أنه تم تعيينه في عام 1985 من قبل منطقة "أكيتين" (جنوب غرب فرنسا) كممثل لهذه المؤسسة داخل مجلس إدارة ثانوية نوتردام دو بيتارام.

وعلى الرغم من الوضعية الصعبة التي يتواجد فيها بايرو، إلا أنه أكد مرارا أنه سيقدم كل "الأدلة" التي تثبت أنه لم يكن على علم بما كان يدور داخل الثانوية.

وقد كرر هذا التصريح  في 11 فبراير/شباط الماضي، عندما أجاب على سؤال طرحه عليه النائب عن حزب فرنسا الأبية (أقصى اليسار)، بول فانييه، بشأن علمه أو عدم علمه بإمكانية وقوع تجاوزات جنسية تعرض لها طلاب الثانوية.

محاولة بايرو لتوريط حكومة ليونيل جوسبان

من جهة أخرى، أكد بايرو خلال استقباله لبعض الضحايا المحتملين في فبراير/شباط الماضي بمقر بلدية "بو"بأنه طالب في عام 1996، عندما كان وزيرا للتربية، بإجراء تحقيق لكشف ملابسات هذه القضية.

رئيس الوزراء الفرنسي ورئيس حزب الحركة الديمقراطية فرانسوا بايرو يلوح بيده أثناء حديثه خلال حفل تسلم مهامه في فندق ماتينيون في باريس في 13 كانون الأول/ديسمبر 2024.
رئيس الوزراء الفرنسي ورئيس حزب الحركة الديمقراطية فرانسوا بايرو يلوح بيده أثناء حديثه خلال حفل تسلم مهامه في فندق ماتينيون في باريس في 13 كانون الأول/ديسمبر 2024. © أ ف ب/ أرشيف

فيما اتهم بعد ذلك، أي في عام 1998، حكومة ليونيل جوسبان، وبالتحديد وزيرة العدل آنذاك إليزابيت غيغو، بعدم تقديم معلومات إضافية للمدعي العام بشأن هذه القضية. لكن الوزيرة ردت بأنها "لا تتذكر إطلاقا بأنه تم إبلاغها بهذه الفضيحة".

من جانبها، تسعى أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب فرنسا الأبية، إلى إبقاء الضغط السياسي على بايرو بهدف إضعافه سياسيا.

وفي هذا السياق، صرحت كليمونس غيتيه، النائبة عن الحزب ذاته، بأنها تنتظر من رئيس الحكومة أن "يخرج من دائرة الأكاذيب".

أما النائبة ليا بلاح الماريكي، من حزب الخضر، فقالت: "في حال استمر بايرو في أكاذيبه ورفضه الإجابة على أسئلة اللجنة البرلمانية، فإن ذلك لن يعني نهاية مسيرته السياسية فقط، بل نهاية مصداقيته أيضا".

ماهي العقوبات المحتملة على فرانسوا بايرو؟

وفي هذه القضية المتعلقة بالعنف الجنسي والجسدي داخل المؤسسة الكاثوليكية في بيتارام، رفعت ضد بايرو ثلاث شكاوى: اثنتان بتهمة "عدم التبليغ عن جريمة أو جنحة"، وواحدة بتهمة "عرقلة سير العدالة" و"إخفاء جريمة"، وفق ما أوضحه المدعي العام رودولف جاري لوكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته، طلب مكتب المدعي العام لمدينة بو ألا يكلف بهذا الملف لأسباب "أخلاقية" خاصة وأن بايرو يملك علاقات مؤسساتية في المدينة بحكم منصبه كعمدتها.

على الصعيد السياسي، قد تكون لهذه الجلسة تبعات مهمة. فإذا ظهرت أدلة جديدة تدعم اتهامات التستر أو التواطؤ، فقد يُجبر بايرو على الاستقالة.

كما قد تقدم المعارضة مذكرة حجب ثقة، ما من شأنه أن يعرض استقرار الحكومة للخطر.

وتمثل جلسة الاستماع لفرانسوا بايرو أمام اللجنة البرلمانية لحظة محورية في قضية بيتارام. وقد تسهم في كشف المسؤوليات السياسية والمؤسساتية في هذه الفضيحة التي لقت صدى كبيرا في فرنسا والعالم. وستُحدد إجابات رئيس الوزراء بشكل كبير مستقبل هذه القضية، وقد تؤثر على ثقة المواطنين بقيادتهم.

أما الموالون السياسيون لبايرو وبعض الأحزاب الوسطية، فقد حذروا من تنظيم "محاكمة سياسية" ضده، مشيرين إلى أن ذلك "لن يجدي نفعا، ولن تجيب عن أسئلة الضحايا" المحتملين. فهل يكشف بايرو لغز بيتارام؟